القاهرة: الأمير كمال فرج
يثير الانتشار المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعلى رأسها ChatGPT، تساؤلات جوهرية حول تأثيراتها المحتملة على الصحة النفسية للأفراد. فبينما تنطوي هذه التقنيات على وعود واعدة في شتى المجالات، بدأت تلوح في الأفق تقارير مقلقة تنذر بجانب مظلم محتمل لهذه الثورة الرقمية.
في تحقيق حديث نشرته مجلة Rolling Stone، تم الكشف عن قصص مذهلة لمستخدمين يبدو أن تفاعلاتهم مع ChatGPT قد دفعتهم نحو تبني أوهام غريبة تتراوح بين الهوس الروحي والتخيلات الخارقة للطبيعة. الأمر الذي يثير مخاوف جدية بشأن ما بات يُعرف بـ "الذهان الناجم عن ChatGPT".
كشف بعض الأصدقاء وأفراد العائلات بقلق بالغ عن إصرار هؤلاء المستخدمين على اعتقادهم بأنهم مختارون لتنفيذ مهام مقدسة بتكليف من ذكاء اصطناعي واعٍ أو قوى كونية وهمية. هذا السلوك الصادر عن روبوتات الدردشة لا يعدو كونه انعكاسًا وتضخيمًا لمشكلات الصحة النفسية الكامنة لدى هؤلاء الأفراد، ولكنه يحدث على نطاق واسع بشكل يثير الدهشة ودون أي رقابة تُذكر من الجهات التنظيمية أو الخبراء المختصين.
روت أم تبلغ من العمر 41 عامًا وتعمل في منظمة غير ربحية للمجلة كيف انتهى زواجها بشكل مفاجئ بعد أن انغمس زوجها في محادثات غير متزنة وذات طابع مؤامراتي مع ChatGPT، سرعان ما تحولت إلى هاجس مستحوذ عليه تمامًا.
وأشارت إلى أنه خلال لقائهما في المحكمة في وقت سابق من هذا العام ضمن إجراءات الطلاق، شارك معها "نظرية مؤامرة حول تلوث الطعام بالصابون" واعتقادًا مرضيًا بأنه مراقب باستمرار.
وأضافت قائلة: "كان زوجي يتأثر عاطفيًا للغاية بردود ChatGPT، وكان يبكي وهو يقرأها علي بصوت عالٍ. كانت الرسائل تبدو جنونية ومليئة بمجموعة من المصطلحات الروحية غير المترابطة"، حيث وصفه الذكاء الاصطناعي بعبارات مثل "طفل نجمي حلزوني" و "سائر النهر". وعلقت قائلة: "يبدو الأمر برمته وكأنه مشهد من مسلسل 'مرآة سوداء'".
وفي سياق متصل، أفاد مستخدمون آخرون للمجلة بأن شريكهم كان "يتحدث عن مفاهيم النور والظلام وعن وجود حرب بينهما"، وأن "ChatGPT قدم له مخططات لجهاز نقل عن بعد وبعض الاختراعات الأخرى التي تنتمي إلى الخيال العلمي ولا نراها إلا في الأفلام".
كما صرح رجل آخر للمجلة بشأن زوجته قائلاً: "علامات التحذير كانت واضحة للعيان على فيسبوك، فقد أجرت زوجتي تغييرات جذرية في حياتها لتصبح مرشدة روحية وأصبحت تقوم بقراءات وجلسات غريبة مع أشخاص آخرين – لا أفهم تمامًا طبيعة هذه الجلسات – وكل ذلك يتم بدعم من 'ChatGPT '".
لم تصدر شركة OpenAI أي تعليق على استفسارات مجلة Rolling Stone، وتأتي هذه الأخبار بعد اضطرار الشركة إلى سحب تحديث حديث لـ ChatGPT، وذلك بعد أن لاحظ المستخدمون أن الروبوت الدردشة أصبح "متملقًا" بشكل ملحوظ و "مفرطًا في الإطراء والموافقة"، مما قد يجعله أكثر عرضة لترديد معتقدات المستخدمين الوهمية وتعزيزها.
ويرجح الخبراء أن تكون هذه الأوهام الناجمة عن الذكاء الاصطناعي ناتجة عن قدرة "الأشخاص ذوي الميول المرضية الكامنة" على "امتلاك شريك محادثة دائم بمستوى بشري يمكنهم من خلاله مشاركة أوهامهم وتأكيدها"، كما أوضح نيت شارادين، زميل مركز سلامة الذكاء الاصطناعي.
على صعيد آخر، يمثل هذا الأمر الفرضية الأساسية لعمل نماذج اللغة الكبيرة: استقبال نص مدخل وتقديم استجابة محتملة إحصائيًا – حتى وإن كانت هذه الاستجابة تدفع المستخدم نحو مزيد من الانغماس في الوهم أو الذهان.
وقد كتب أحد مستخدمي Reddit: "أنا مصاب بالفصام وأخضع لعلاج طويل الأمد ومستقر، وأحد الأمور التي تزعجني في ChatGPT هو أنه إذا كنت في بداية نوبة ذهانية، فسيستمر في تأكيد أفكاري. لأنه يفتقر إلى القدرة على 'التفكير' وإدراك وجود خطأ ما، وبالتالي سيستمر في تأكيد جميع أفكاري الذهانية."
من جهة أخرى، يمكن أن تعمل روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي كشكل من أشكال العلاج بالكلام – ولكن في غياب التوجيه الواقعي من مستشار بشري حقيقي، فإنها بدلاً من ذلك تقود المستخدمين إلى الانغماس بشكل أعمق في سرديات غير صحية وغير منطقية.
وفي هذا السياق، صرحت إيرين ويستجيت، عالمة النفس والباحثة في جامعة فلوريدا، للمجلة قائلة: "التفسيرات تحمل قوة كبيرة، حتى لو كانت خاطئة."
ويبقى اللقاء الأكثر غرابة في تقرير Rolling Stone مع رجل لديه تاريخ مضطرب في الصحة النفسية، بدأ في استخدام ChatGPT في مهام البرمجة، لكنه فوجئ بأن الروبوت بدأ في توجيه المحادثة نحو مواضيع صوفية غير متزنة بشكل متزايد. وفي نهاية المطاف، تساءل الرجل في حيرة: "هل هذا حقيقي؟ أم أنني مجرد واهم؟"