القاهرة: الأمير كمال فرج.
في عصر يتسارع فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتنفيذ المهام اليومية، بدءاً من كتابة الرسائل إلى حل المشكلات المعقدة، يبرز سؤال مقلق: هل نحن نُضحّي بقدراتنا العقلية في سبيل الراحة؟.
ذكر تقرير نشره موقع Futurism أن "خبراء في علم النفس والأعصاب حذروا من أن الإفراط في استخدام أدوات مثل "ChatGPT" قد يؤدي إلى تدهور المهارات الإدراكية، بما في ذلك التفكير النقدي، والإبداع، وحتى الذاكرة. فكيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على عقولنا؟ وما هي الحدود الفاصلة بين الاستفادة منه والإضرار بأنفسنا؟".
قضية الصحفي الذي فقد طلاقة اللغة
قام سام شيتشنر، المراسل التقني لصحيفة Wall Street Journal، بتجربة شخصية كشفت له جانبًا مظلمًا من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. بعد انتقاله للعيش في باريس، اعتمد على "ChatGPT" لصياغة رسائله باللغة الفرنسية، بل واستخدمه حتى في مراسلة أصدقائه. لكنه لاحظ شيئاً مقلقاً:
قال شيتشنر "بعد سنوات من تطوير قدرتي على التعبير عن الأفكار الدقيقة بالفرنسية، جعلني الذكاء الاصطناعي أتجاهل هذه المهارة. شعرت أن عقلي أصبح أكثـر خمولاً، حتى أنني وجدت نفسي أتلعثم في اختيار الكلمات المناسبة حين طلبت معروفاً من صديقي عبر الرسائل".
وحذّر روبرت ستيرنبرغ، أستاذ علم النفس في جامعة كورنيل، قائلاً: "الإبداع مثل العضلة، إذا لم تستخدمه، يبدأ في الاختفاء."
دراسات تحذر من "التفريغ المعرفي"
ليست تجربة شيتشنر فريدة، فقد كشفت دراسة مشتركة بين باحثين من Microsoft وجامعة Carnegie Mellon أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُضعف مهارات التفكير النقدي. وأظهرت دراسة أخرى نُشرت عام 2023 أن الطلاب الذين استخدموا "ChatGPT" بكثافة عانوا من تراجع في الذاكرة وانخفاض في الدرجات الأكاديمية.
هذه الحالات تندرج تحت ظاهرة تُعرف باسم "التفريغ المعرفي" (Cognitive Offloading)، أي نقل العبء الذهني إلى أدوات خارجية مثل الذكاء الاصطناعي. ورغم أن هذه الأدوات قد تُحررنا من المهام الروتينية، إلا أن الإفراط في استخدامها يُعطل قدراتنا العقلية الأساسية.
اللغة والتفكير: أين يختفي الحد الفاصل؟
تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة مثل ChatGPT خدمة "التفكير نيابة عنا"، لكن الخطر يكمن في أن اللغة والتفكير مرتبطان بشكل وثيق.
تقول لويزا دحمان، عالمة الأعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام "أدوات مثل GPS والذكاء الاصطناعي التوليدي تجعلنا كسولين إدراكياً، ورغم أنه يمكن استخدامها بوعي، إلا أن معظمنا يختار الطريق الأسهل".
وفي عام 2020، أثبتت دحمان أن الاعتماد على GPS يدمر الذاكرة المكانية للإنسان. واليوم، يُخشى أن يفعل الذكاء الاصطناعي الشيء نفسه مع مهاراتنا اللغوية والتحليلية.
هل يجب أن نقلق؟
صحيح أن الذكاء الاصطناعي يوفر وقتًا وجهدًا، لكن الثمن قد يكون باهظاً إذا تحول إلى بديل دائم لعقولنا. فكما نعلم أن الإفراط في استخدام الهواتف الذكية يقلل التركيز، فإن الاستسلام الكامل للذكاء الاصطناعي قد يجعلنا نفقد أهم ما نملك: القدرة على التفكير المستقل.
كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي بحكمة؟
توازن بين الاستخدام والجهد الذهني: استخدم الذكاء الاصطناعي للمساعدة، لكن لا تجعله يحل محل عقلك تماماً.
تمرين العقل بانتظام: خصص وقتاً للقراءة، الكتابة، وحل المشكلات دون مساعدة خارجية.
التوعية بالمخاطر: خاصة في التعليم، حيث يجب أن يظل الطلاب هم المحور الرئيسي للعملية الإبداعية.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي أداة رائعة، لكنه يجب ألا يصبح بديلاً عن الذكاء البشري. فالعقل البشري يحتاج إلى التحدي لينمو، وإلا فإنه، مثل أي عضلة أخرى، سيضعف إذا لم نستخدمه.