القاهرة: الأمير كمال فرج
في عالم يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا، تظهر ابتكارات جديدة واعدة مثل النظارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي تقدم بصيص أمل لفئة كبيرة من الناس: فاقدي البصر. هذه النظارات، التي لم تُصمم في الأساس كأداة مساعدة، أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين، إذ تمنحهم القدرة على التنقل واستكشاف العالم من حولهم باستقلالية لم يعهدوها من قبل
ذكرت جوزيان نتشوريريت - مبياماني في تقرير نشرته شبكة CBC إن "بالنسبة لأندرو توتي، كانت القيادة على الطرق المفتوحة تعني الحرية، والقدرة على ركوب السيارة، وتشغيل المحرك، والذهاب إلى أي مكان وفي أي وقت. لكن كل ذلك تغير عندما فقد بصره وهو بالغ، وفقد معه رخصة القيادة".
يقول توتي، الذي يعيش في مدينة كيتشنر الكندية: "فقدان هذه الحرية أصبح واضحًا فورًا عندما لم أعد أستطيع القيادة".
بالنسبة لتوتي أصبحت المهام اليومية الأخرى، مثل الطبخ، أكثر صعوبة. فأشياء بسيطة مثل ضبط مؤقت الخبز الرقمي أو التأكد من صندوق المعكرونة الصحيح يمكن أن تمثل تحديًا. ولكنه وجد طريقة لاستعادة جزء من حريته، بمساعدة نظارات تعمل بالذكاء الاصطناعي.
على الرغم من أنها لم تُصمم في الأساس كأدوات مساعدة، يقول توتي إن استخدامها "انتشر بشكل كبير في مجتمع المكفوفين" للمساعدة في التنقل في الحياة اليومية بمزيد من الاستقلالية.
رؤية بطرق جديدة
في مطبخه، يمسك توتي صندوقًا من المعكرونة. قبل أن يضعه في المقلاة، يسأل نظارته المدعومة بالذكاء الاصطناعي عن نوع المعكرونة التي تراها. يجيب صوت: "لازانيا".
تتصل النظارات، وهي في هذه الحالة نظارات Meta الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بهاتف ذكي وتستجيب للأوامر الصوتية. يستخدمها توتي جنبًا إلى جنب مع تطبيقات مساعدة منفصلة مثل تطبيق "Be My Eyes" لتحديد الأشياء، ووصف محيطه، وحتى التواصل مع متطوعين بشريين للحصول على دعم إضافي.
في الصباح، تساعده النظارات على اختيار الملابس التي تتناسق ألوانها، مما يمنحه مزيدًا من الثقة عند الخروج. يقول توتي: "إنها توفر الكثير من الاستقلالية".
مقارنةً بالتقنيات المساعدة الأخرى، تعتبر هذه النظارات ميسورة التكلفة نسبيًا. يقول توتي إنه حصل على زوج منها بسعر مخفض بلغ حوالي 250 دولارًا، لكن الطرز المذكورة على موقع Meta الكندي تتراوح أسعارها بين 369 و539 دولارًا. في المقابل، قد تصل أسعار الأجهزة المساعدة الأخرى على الرؤية مثل "OrCam MyEye" إلى آلاف الدولارات.
إشارة العبور
مثل توتي، تستخدم إيميلي شيفرز، وهي من مدينة هاميلتون الكندية وفاقدة للبصر قانونيًا، نظارات "ميتا" المدعومة بالذكاء الاصطناعي لفحص ملابسها. ولكن التعرف على الألوان مفيد أيضًا بطرق أخرى.
قالت لإيان هانومانسينغ في برنامج "Cross Country Checkup": "يمكنني أن أسأل: هل إشارة عبور المشاة خضراء؟ وسوف تجيب بنعم أو لا. في الوقت نفسه، أستمع إلى حركة المرور، لذلك أحصل على هذا الاطمئنان من كلا المصدرين".
عند التنقل، غالبًا ما تتوقف شيفرز للتأكد من إشارات المرور. الآن، تتيح لها النظارات تجاوز خطوة إخراج هاتفها أو طلب المساعدة.
تؤكد شيفرز أن هذه التكنولوجيا تعمل جنبًا إلى جنب مع أدواتها ومهاراتها المساعدة الأخرى، بدلاً من أن تحل محلها. قالت: "بمساعدة النظارات، بالإضافة إلى مهاراتي، أمتلك ثقة إضافية في قدرتي على العبور".
ثمن الاستقلالية
يحذر بيتر لويس، الأستاذ المساعد في جامعة أونتاريو للتكنولوجيا ورئيس كرسي الأبحاث الكندي في الذكاء الاصطناعي الموثوق، من أن هذه النظارات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن أن "تنظر" إلى المستخدم أيضًا.
تعمل الأجهزة عن طريق معالجة ما تراه كاميراتها المدمجة باستمرار، وإرسال تلك البيانات إلى شركات كبرى. يقول لويس إن المستخدمين لا ينبغي أن يضطروا للتنازل عن خصوصيتهم لمجرد أن يكونوا قادرين على العيش باستقلالية في العالم وهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
يمكن للنظارات الذكية أن تنقل كل شيء في مجال رؤية مرتديها: إشارات الشوارع أو قوائم الطعام على سبيل المثال، ولكن أيضًا وجوه الأشخاص، والمحادثات الخاصة، وحتى الأماكن الداخلية للمنازل أو أماكن العمل.
يقول لويس: "في الأساس، ما تفعله هو أنك تحمل كاميرا موجهة إلى العالم على رأسك طوال الوقت، وتبث ما تراه إلى شركة بيانات كبرى".
يقول لويس إن البيانات يمكن تخزينها، وتحليلها، أو استخدامها لأغراض تتجاوز بكثير المساعدة في التنقل، بدءًا من تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية إلى الإعلانات الموجهة.
يقول توتي إنه لا يثق في الذكاء الاصطناعي وحده ليخبره ما إذا كانت هناك درجات في طريقه أو متى يكون العبور آمنًا. بدلاً من ذلك، يعتمد على عصاه، وعند الحاجة، يلجأ إلى زوجته أو إلى دائرته الصغيرة من أحبائه الذين يتطوعون للمساعدة شخصيًا، مما يضمن أن المعلومات المتعلقة بالسلامة تأتي من أشخاص، وليس من خوارزميات.
التكنولوجيا الخفية
بالنسبة للويس، فإن مسألة استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة لا تتعلق ببساطة بـ "موازنة الأمور، حيث نتنازل عن شيء لنكسب آخر".
بدلاً من ذلك، يرى أن العديد من المخاطر تأتي من خيارات تصميمية لا يجب أن تكون موجودة. يقول لويس إن المقايضات الزائفة، مثل التنازل عن الخصوصية مقابل الاستقلالية، هي "جزء أساسي" من التصميم لأن شركات التكنولوجيا الكبرى تستفيد من جمع البيانات.
ويضيف: "يجب أن نكون قادرين على تصميم أدوات لا تعتمد على تلك الافتراضات، وتحترم خصوصية الناس بالفعل".
يأمل لويس أن يضع الجيل القادم من التكنولوجيا المساعدة احتياجات المستخدمين في المركز، مما يمنحهم القوة دون مساومة، ويرى أن الهدف المثالي للتكنولوجيا ليس أن تكون جهازاً مرئياً أو معقداً، بل أن تتلاشى في الخلفية وتصبح جزءاً طبيعياً من حياة المستخدم، بحيث تساعده دون أن يلاحظ وجودها.
ويضيف أن هذه الفكرة، التي يطلق عليها "الكمبيوتر الذي يختفي"، هي ما يجب أن تسعى إليه التكنولوجيا المساعدة. فكلما كانت هذه الأدوات، مثل النظارات الذكية، أقل تدخلاً وأكثر سلاسة، زادت قدرة الناس على عيش حياة طبيعية ومستقلة دون قيود أو تعقيدات.