القاهرة: الأمير كمال فرج.
كشف استطلاع أجراه مركز Harris Poll، إن ما يقرب من 6 من كل 10 عاملين من جيل زد لديهم بالفعل مشاريع جانبية خاصة بهم. هذه النسبة تفوق أي جيل آخر، مما يشير إلى تحول جذري في مفهوم الطموح المهني.
ذكرت كارولين كاستريلون في تقرير نشرته مجلة Forbes إن " طريق النجاح بالنسبة للأجيال السابقة، كان يعني عادةً تسلق السلم الوظيفي والحصول على الترقيات، وصولًا إلى المنصب المرموق، أما جيل زد، فليس لديه اهتمام باتباع نفس المسار. بل يوجهون طاقتهم نحو المشاريع الشغوفة، والعمل الحر، والمبادرات الريادية خارج نطاق الوظيفة التقليدية".
هذا لا يعني أنهم يفتقرون إلى الطموح، ولكن طموحهم لا يرتبط بالمسميات الوظيفية، بل بالحرية، والمرونة، وخلق مصادر دخل متعددة تمنحهم السيطرة على مستقبلهم.
لماذا يرفض جيل زد السلم الوظيفي التقليدي؟
أظهرت أبحاث Glassdoor أن 68% من جيل زد لن يسعوا للحصول على مناصب إدارية ما لم يكن هناك زيادة كبيرة في المسمى الوظيفي أو الأجر. ومع غياب هذه الحوافز، لم تعد الأدوار القيادية مرغوبة كما كانت في السابق. وبدلًا من السعي وراء المكانة، يركز الشباب على بناء مسارات مهنية مستدامة.
يُطلق الخبراء على هذا الاتجاه اسم "التقليلية المهنية". وهو يتمثل في تجنب الضغط غير الضروري في بيئات غالبًا ما تفشل في مكافأة الولاء. وبعد أن شاهدوا الأجيال الأكبر سنًا يعانون من الإرهاق، والتسريح من العمل، وتراجع الثقة في قيادات الشركات، جاء رد فعل جيل زد بتنويع خياراتهم بدلًا من التمسك بالترقيات التقليدية.
وكما أوضح مورجان سانر، الخبير المهني في Glassdoor "لقد استبدلنا السلم الوظيفي الجامد بـ "زنبقة السلم الوظيفي"؛ أي مسار يسمح لنا بالقفز إلى أي فرصة تناسبنا في اللحظة الراهنة". فبالنسبة لهذا الجيل، يعني النجاح تحقيق التوازن، والأمان، والتحكم بدلًا من الصعود أعلى داخل مؤسسة واحدة.
كيف أصبحت المشاريع الجانبية هي الطموح الجديد؟
كان الطموح التقليدي يتمثل في: تسلق السلم الوظيفي، الحصول على المكتب الفخم، إدارة فريق، وجمع رموز المكانة. كان النجاح مسارًا خطيًا، ويمكن التنبؤ به، ويُقاس بمدى ارتفاعك داخل مؤسسة واحدة.
أما اليوم، يأخذ الطموح شكلًا مختلفًا. تُظهر بيانات Harris Poll أن 57% من العاملين من جيل زد لديهم مشاريع جانبية، مقارنة بـ 48% من جيل الألفية، و31% من الجيل إكس، و21% من جيل طفرة المواليد. وبالنسبة للشباب، هذه المشاريع ليست مجرد مصادر دخل إضافية، بل هي استراتيجيات مهنية أساسية تقدم لهم ما لا توفره الوظيفة التقليدية، مثل المنافذ الإبداعية، والاستقلالية، والتعبير الأصيل عن الذات.
غالبًا ما يصف العاملون من جيل زد نهجهم بالقول: "وظيفة من 9 إلى 5 تموّل مشاريع من 5 إلى 9"، أي أنهم يستخدمون الوظيفة التقليدية لدعم مشاريعهم الريادية. وهذا يمثل تحولًا في القيم مقارنة بالأجيال السابقة التي سعت إلى الأمان من خلال الولاء للشركات. بينما يجد جيل زد الأمان من خلال تنويع مصادر الدخل وبناء محفظة من المشاريع.
كيف يغذي الذكاء الاصطناعي والمخاوف بشأن الأمن الوظيفي هذا التحول؟
تأثير الذكاء الاصطناعي على المخاوف من الأمن الوظيفي
الذكاء الاصطناعي لا يغير فقط طريقة إنجاز العمل، بل يغير بشكل جذري طريقة تفكير جيل زد في الأمن الوظيفي على المدى الطويل. ووفقًا لـ Glassdoor ، يقول 70% من العاملين من هذا الجيل إن الذكاء الاصطناعي يجعلهم يتساءلون عن أمنهم الوظيفي على المدى الطويل. وهذا القلق منطقي تمامًا، فمع رؤيتهم للذكاء الاصطناعي وهو يقوم بأتمتة المهام في مختلف الصناعات، من خدمة العملاء إلى إنشاء المحتوى وتحليل البيانات، تصبح الرسالة واضحة: لا توجد وظيفة محصنة ضد التطورات التكنولوجية.
المسارات المهنية المتعددة كإدارة للمخاطر
أصبحت المشاريع الجانبية استجابة منطقية لهذا الغموض. فإذا كانت وظيفتك الأساسية قد تتعرض للأتمتة، فإن امتلاك مصادر دخل متعددة يوفر شبكة أمان حيوية. وما يعتبره النقاد نقصًا في الطموح، هو في الحقيقة إدارة متطورة للمخاطر.
يبني العاملون من جيل زد ما يسميه الاقتصاديون "المسارات المهنية المتعددة"؛ أي الجمع بين الوظيفة التقليدية والعمل الحر أو المنتجات الرقمية أو الاستشارات أو الأعمال الصغيرة. وهذا النهج يوفر الأمان المالي والمرونة المهنية التي لا يمكن للمسار الوظيفي القائم على وظيفة واحدة أن يضاهيها.
ما الذي يعلمنا إياه المدراء من جيل زد عن التوازن بين العمل والحياة؟
عندما يتولى العاملون من جيل زد مناصب إدارية، فإنهم يجلبون معهم فلسفات قيادية مختلفة تمامًا. تُظهر أبحاث Glassdoor " أنهم يمارسون ما يسميه بعض الخبراء "التحرر الواعي من السيطرة"؛ أي أنهم يخلقون عمدًا بيئات عمل أكثر تعاونًا ومرونة.
تكشف الإحصائيات هذا التحول: حوالي 58% من المدراء من جيل زد يخففون من توقعات العمل خلال أشهر الصيف، و31% يعتبرون ساعات العمل المرنة ممارسة أساسية. ومن المرجح أنهم يمنحون الأولوية لرفاهية الفريق على حساب مقاييس الإنتاجية التقليدية.
يعكس هذا النمط الإداري قيمهم الأوسع المتعلقة بدمج العمل والحياة. فبعد أن نشأوا في ظل التكنولوجيا التي طمست الحدود بين العمل والحياة الشخصية، فإنهم يدركون أهمية وضع حدود صحية. فهم أقل عرضة لتمجيد الإفراط في العمل أو طلب التواجد في المكتب لمجرد إثبات الوجود.
هؤلاء المدراء الشباب أكثر راحة مع العمل عن بُعد، والجداول الزمنية المرنة، ومقاييس الأداء القائمة على النتائج. إنهم يحكمون على النجاح بناءً على الإنجازات وليس على عدد الساعات التي يقضونها في العمل، مما يخلق بيئات عمل تدعم الإنتاجية والرضا الشخصي على حد سواء.
ما يمكن للأجيال الأخرى أن تتعلمه؟
يقدم نهج جيل زد في التعامل مع العمل دروسًا قيمة للمهنيين في جميع المراحل المهنية. إن تركيزهم على الحدود، والصحة النفسية، وتنويع مصادر الدخل يوفر خارطة طريق للنجاح المهني المستدام.
5 دروس أساسية يمكن لأي شخص تطبيقها:
1ـ ابنِ مسارًا مهنيًا متعدد الأوجه: حتى لو كنت راسخًا في وظيفة تقليدية، فإن تطوير مصادر دخل إضافية يوفر الأمان المالي والرضا الإبداعي. وقد يعني هذا العمل كمستشار مستقل، أو إنشاء منتجات رقمية، أو العمل على مشاريع شغوفة قد تتحول في النهاية إلى أعمال تجارية.
2ـ تقبّل الذكاء الاصطناعي كأداة لا كتهديد: من المرجح أن يدمج العاملون من جيل زد الذكاء الاصطناعي في سير عملهم، مستخدمين إياه لتعزيز الإنتاجية بدلًا من الخوف من الاستبدال. إن تعلم العمل جنبًا إلى جنب مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يصبح ميزة تنافسية.
3ـ امنح الأولوية للصحة النفسية ووضع الحدود: ضع حدودًا واضحة بين وقت العمل والوقت الشخصي. المدراء من جيل زد الذين يخففون من التوقعات خلال الصيف ليسوا أقل احترافية، بل هم أكثر استدامة.
4ـ ركّز على النتائج لا على الساعات: قِس النجاح بما تنجزه، وليس بعدد الساعات التي تعملها. يمكن أن يعزز العمل عن بُعد والجداول المرنة كلًا من الإنتاجية والرضا الوظيفي عند إدارتهما بفعالية.
5ـ أعد صياغة مفهوم "التقليلية المهنية" كطموح مستدام: غالبًا ما يأتي السعي الحثيث وراء علامات النجاح التقليدية على حساب الرفاهية الشخصية والعلاقات الأسرية. ويشير نهج جيل زد إلى أن هناك حكمة في تعريف النجاح بمفهوم أوسع.
مستقبل العمل هنا
يثبت جيل زد أن الطموح لا يجب أن يعني تسلق السلم الوظيفي. فمن خلال إعطاء الأولوية للمشاريع الجانبية، والوظائف الثابتة، ووضع حدود واضحة، فإنهم يبنون مسارات مهنية توازن بين الأمان والحرية.
المكتب الفخم كان يعد بالمكانة، أما المشاريع الجانبية فتقدم شيئًا أكثر قيمة، وهو الخيارات. وفي عالم التغيير فيه هو الثابت الوحيد، قد تكون هذه هي الخطوة المهنية الأكثر طموحًا على الإطلاق.