القاهرة: روبو أديب.
تتجاوز العلاقة بين سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، ومشروب القهوة العادة اليومية، لتتحول إلى ظاهرة ثقافية ورمزية عميقة، خصوصًا في فضاءات التواصل الاجتماعي الحديثة مثل TikTok، حيث يربط "السمّيعة" وعشاق الطرب الأصيل بين هذه الأيقونة الخالدة وفنجان القهوة كطقس لا غنى عنه، لكونهما معًا يمثلان قمة التجربة الوجدانية العميقة والمكثفة.
يرتكز هذا الارتباط بين أيقونة الطرب والقهوة على مجموعة من العناصر النفسية والجمالية المشتركة يمكن حصرها في التالي:
التركيز والعمق الوجداني
تتميز أغاني أم كلثوم بطولها، وعمق كلماتها، وطبقاتها اللحنية العميقة، والتي ترتكز على التعبير العاطفي الصادق. يتطلب الاستماع إليها نوعاً من الانتباه الواعي والاستغراق الوجداني للوصول إلى حالة "الطرب" الحقيقية.
وبفضل محتواها من الكافيين، تعمل القهوة كمنشّط للجهاز العصبي المركزي، مما يزيد من اليقظة الذهنية والتركيز، ويسهم في تحسين المزاج. هذا التنبيه الذهني هو ما يحتاجه المستمع ليتفاعل بعمق مع تفاصيل الأداء الكلاسيكي لكوكب الشرق.
خلق أجواء "السمِّعية" الخاصة
يُعد "السمّيعة" ـ وهو تعبير دارج يصف هواة سماع الطرب القديم بتركيز ـ الاستماع إلى أم كلثوم طقسًا يتطلب سكينة الأجواء وصفاء الذهن، والقهوة، كعادة اجتماعية فردية أو جماعية هادئة، توفر الإطار المثالي لهذا الطقس.
هنا يصبح فنجان القهوة الساخن، برائحته النفاذة وطعمه المر، جزءاً من الإعداد النفسي لدخول عالم الأغنية الكلاسيكية الطويلة، حيث يُرافق المستمع في رحلة الأغنية التي قد تستمر لأكثر من ساعة.
القهوة وأم كلثوم ترند على TikTok
شهدت منصات الفيديو القصيرة، لا سيما TikTok، ازدهاراً لمئات المقاطع التي تؤكد هذا الارتباط الرمزي، حتى أصبحت "ترند"، حيث تنتشر مقاطع الفيديو التي تُبث فيها أغاني أم كلثوم، مثل "ألف ليلة وليلة" و "أنت عمري"، و"ثورة الشك"، و"فات المعاد"، وغيرها .. مع التركيز البصري على مشاهد صب القهوة.
تشمل هذه المشاهد عادةً تفاصيل دقيقة مثل: مشاهد إعداد القهوة، أو حركة البخار المتصاعدة، أو صب القهوة التركية في فنجان صغير، أو ارتشافها بعينين مغمضتين تعبيراً عن حالة التركيز والتأثر.
يُرسخ هذا المزج بين الأغنية والقهوة فكرة أن الاستمتاع الحقيقي بالفن العميق يتطلب لحظة استرخاء وتركيز لا يمكن بلوغها إلا بوجود منشّط يفتح آفاق الوجدان، لتتحول القهوة إلى كود بصري لمزاج "الرَّوقان والطرب الأصيل".
التأثير النفسي للقهوة على العاطفة والوجدان
تلعب القهوة دورًا هامًا في تحسين الحالة النفسية، مما يعزز قدرة المستمع على التفاعل مع الطرب، حيث تعمل القهوة على تحفيز إفراز النواقل العصبية المرتبطة بالسعادة، مثل الدوبامين والسيروتونين. هذا التحسن في المزاج يفتح المجال أمام الاستقبال العاطفي العميق للكلمات والألحان، مما يعمّق تجربة الطرب.
ويقلل الكافيين من الشعور بالتعب، مما يمنح المستمع طاقة ذهنية أكبر للتركيز، ويقلل من الإجهاد الذي قد يعيق الانغماس في الأغنية. ففي هذا الهدوء النسبي، يصبح المستمع أكثر تقبلاً للعاطفة والأجواء الدرامية التي تخلقها أم كلثوم في أدائها.
باختصار، أصبحت القهوة هي "الوقود الوجداني" الذي يشعل حالة "السميعة" المطلوبة للاستمتاع بالطرب الكلثومي الأصيل، لتتحول من مجرد مشروب إلى شريك روحي لا يمكن الاستغناء عنه في حضرة سيدة الغناء العربي.